استراتيجية التدريس التبادلي (Reciprocal Teaching)
تعد استراتيجية التدريس التبادلي (Reciprocal Teaching) من أهم الاستراتيجيات المتقدمة في الميدان التربوي، التي تمثل علامة فارقة في استراتيجيات التدريس الفاعلة، فهي بمثابة عنصر مؤثر في تنمية سلوكيات ما وراء المعرفة (Metacognition)، بما يتضمنه ذلك من إجراءات تنظيمية يمكن من خلالها إدارة عمليات التفكير، ويتم ذلك من خلال ترسيخ مبدأ التراكمية في التعليم القائمة على ربط معلومات الطالب الجديدة بالمعلومات الموجودة لديه من قبل، والاختيار الواعي الاستراتيجيات التفكير، وعمليات التخطيط، والمراقبة، وتقويم عمليات التفكير، وتعد هذه الاستراتيجية بمراحلها الأربع أحد الاستراتيجيات الجاذبة للمتعلمين؛ فهي تقوم على أساس المستويات المشتركة بين المعلم والطالب على حد سواء في عملية التعلم؛ كونها تعتمد على المناقشة، والتقييم المستمر (2011 , Kelly).
نشأة استراتيجية التدريس التبادلي:
التدريس التبادلي أحد الاستراتيجيات الحديثة التي تم تطويرها في الولايات المتحدة الامريكية عام 1984من قبل بالينسكار (Palinscar) وبروان (Brown)، من أجل مساعدة المتعلمين على الفهم القرائي وذلك من خلال تبادل النقاش والحوار بين المتعلمين ومعلمهم. وتنمي هذه الاستراتيجية لدى الطلبة المهارات الذاتية، وتعزز لديهم الثقة بالذات، والقدرة على ضبط التفكير، وكذلك تزيد من دافعيتهم للتعلم وممارسة أنشطة الاكتشاف والاستقصاء والاستقراء (Faster & Rotoloni,2008).
تعتمد استراتيجية التدريس التبادلي على مفهوم المشاركة الموجهة القائمة على أسس النظرية البنائية الاجتماعية لفيجوتسكي، والتي تقوم على دور اللغة كعنصر في التفكير وتحقيق الفهم، ووفقًا لهذه النظرية فإن المتعلم يبني المعرفة القائمة على الفهم المشترك من خلال الكلام العلمي والتواصل اللغوي واستخدام الكتابة. ويرى فيجوتسكي أنها المسافة أو الاختلاف بين المستوى الواقعي للتطور الذي يمكن للمتعلم تحقيقه بمفرده ومستوى النمو الكامن الذي يمكنه تحقيقه عندما يعتني به شخص أكثر خبرة منه مثل المعلم أو أكثر الأقران قدرة، من خلال تقديم التوجيه والدعم، وهو ما يعرف باسم سقالات التعلم، والتي يتم سحبها تدريجياً، لذلك فإن محور التدريس التبادلي هو المناقشة والحوار التي يتبادل فيها المعلم والمتعلمون دور القائد في مناقشة النص أو النشاط العلمي (Doolittle & et al, 2006).
أهمية استراتيجية التدريس التبادلي:
يرى العلوي (2012) أن أهمية التدريس التبادلي تكمن فيما يلي:
- تساعد الطلاب على تطوير مهاراتهم الذاتية، وزيادة دافعهم للتعلم، وإضافة بعض من المرح لهم.
- يرفع التحصيل الدراسي، ويستخدم في جميع المقررات الدراسية.
- تنمية القدرة على الحوار والنقاش والتعبير عن الآراء.
- تطوير القدرة على التلخيص واستخراج معلومات مهمة من النص، وصياغة الأسئلة.
- تنمية القدرة على التنبؤ بالأحداث، وروح العمل في المجموعة.
أهداف استراتيجية التدريس التبادلي:
- تحسين مستوى الاستيعاب والفهم من خلال الاستراتيجيات الفرعية (التلخيص، التوضيح، وطرح الأسئلة، والتنبؤ).
- مساعدة الطلبة على مراقبة تقدمهم اثناء تطبيق الاستراتيجيات.
- الاستفادة من الطبيعة الاجتماعية للتعلم في تحسين الفهم وتعزيزه.
- تُمكن الطلبة من القيادة، واتخاذ القرارات، ومحاكمة سلوك الآخرين، وتطويرها بطرق مقبولة.
- تنشيط جانبي الدماغ لدى الطلبة من خلال تفاعلهم مع أقرانهم في المجموعات (عفانة والجيش، 2008).
مزايا استراتيجية التدريس التبادلي:
ذكر أبو شعبان (2010) أن مزايا استراتيجية التدريس التبادلي وتتمثل فيما يلي:
- سهولة تطبيقها في الصفوف الدراسية المختلفة، وفي معظم المواد الدراسية.
- إمكانية استخدامه في الصفوف الدراسية ذات الأعداد الكبيرة.
- تعمل على تنمية القدرة على الحوار والمناقشة والفهم، وتنمية مهارات قيادية عند الطلبة وتطويرها.
- يمتاز التعلم بهذه الاستراتيجية بالتعلم الاستيعابي العميق، والتحصيل الجوهري ينعكس على زيادة تحصيل الطلاب في كافة المواد الدراسية.
- تشجيع مشاركة الطلاب الخجولين في أنشطة التدريس التبادلي، حيث تزيد ثقة الطالب بنفسه.
- تمتاز بمخرجات ايجابية في جانب كل من: الدافعية، والعلاقات الاجتماعية، والمهارات التعاونية.
أسس استراتيجية التدريس التبادلي:
يؤكد ليدرر (Lederer, 2004) أن التعليم باستراتيجية التدريس التبادلي يستند إلى أربعة أسس هي:
- التشاركية: فالمسؤولية مشتركة بين المعلم والتلاميذ، فتطبيق الاستراتيجيات الفرعية المتضمنة في التعليم التبادلي لا تقتصر على المعلم، فدور المعلم في التدريس التبادلي هو میسر ومراقب وموجه للعملية التعليمية اما الدور الرئيسي فيقع على عاتق التلاميذ.
- النمذجة: بالرغم من تحمل المعلم المسؤولية الميدانية للتعليم ونمذجة الاستراتيجيات الفرعية فإن المسؤولية يجب أن تنتقل تدريجيا إلى التلاميذ حسب انجازهم للمهمات الموكلة لهم.
- التفاعلية: يتوقع مشاركة جميع التلاميذ في الأنشطة المتضمنة، وعلى المعلم العمل على ذلك ثم التأكد من المشاركة الفعالة للجميع، وتقديم التعزيز المستمر والتغذية الراجعة، مع الأخذ بعين الاعتبار مستوى التلاميذ المهمات الموكلة إليهم.
البنائية: ينبغي أن يتذكر التلاميذ أن الاستراتيجيات المتضمنة تساعدهم في تطوير فهمهم لما يقرؤون، ونشيط معارف التلميذ وخبرته السابقة، وربطها بالمعلومات الجديدة، وإعادة بنائها، وإصدار الحكم عليها.
مراحل استراتيجيات التدريس التبادلي:
ويشير زيتون (2003) إلى أنّ التّعليم التبادلي هو نشاط تعليمي يأخذ شكل حوار بين المعلمين والطلاب، أو بين الطلاب أنفسهم، بحيث يتبادلون الأدوار طبقًا للاستراتيجيات الفرعية المتضمنة (التنبؤ والتساؤل – والتوضيح والتلخيص) بهدف فهم المادة المقروءة، والتحكّم في هذا الفهم عن طريق مراقبته، وضبط عملياته.
في ضوء طبيعة المادة، والأهداف المراد تحقيقها لدى الطلبة في كل مجال، فإن هناك إجراءات عامة يتطلب قيام الطلبة بتوجيه من المعلم أو زملائهم في الصف لاستراتيجية التدريس التبادلي أشار إليها احمد (2009) وعلى النحو التالي:
التنبؤPredicting: وهو تخمين تربوي يعبر به الطالب عن توقعاته لما يمكن أن يكون تحت هذا العنوان من أفكار وتتطلب هذه الاستراتيجية من التلميذ أن يطرح فروضا أو توقعات معينة حول ما يمكن أن يقوله المؤلف في الموضوع، وبذا يصبح هدف التلاميذ الموافقة علي الافتراضات أو دحضها.
التساؤل Questioning: إنّ طرح الأسئلة أو التساؤل أو الاستفسار جميعا تعد مهارة تتضمن توضيح القضايا والمعاني من خلال منهج الاستقصاء فالأسئلة الجيدة توجه نحو المعلومات الهامة وتتم صياغتها بهدف تولد معلومات جديدة، وصياغة الأسئلة من قبل التلاميذ أنفسهم تساعدهم في عملية التعلم بفاعلية، ويجب على المعلم أن يساعد طلبته علي توليد مجموعة من الأسئلة الجيدة حول أهم الأفكار والعناوين الواردة في النص، ومن ثم الإجابة عنها، مما يساعد القارئ على تحليل النص، وتنمية المهارات عنده.
التوضيح Clarifying: وفي هذه الخطوة ينشط التلاميذ للتغلب علي الصعوبات التي تقابلهم فيقومون بالاستيضاح عن أفكار معينة في الموضوع أو مفاهيم يصعب عليهم فهمها.
التلخيص Summarizing: وفي هذه العملية يتيح المعلم الفرصة للتلاميذ لتحديد المعلومات المهمة، ودمج الفقرات؛ وتشير هذه الاستراتيجية إلى العملية التي يتم فيها اختصار شكل المقروء، وإعادة إنتاجه في صورة أخرى من خلال مجموعة من الإجراءات تبقي علي أساسياته وجوهره من الأفكار الرئيسة للنقاط الأساسية مما يسهم في تنمية مهارة القارئ في التركيز علي المعلومات المهمة.

إجراءات تطبيق استراتيجية التدريس التبادلي:
ويشير راضي (2017) إلى الإجراءات التفصيلية لتطبيق التعليم التبادلي باستراتيجياته المختلفة. وهي كما يأتي:
- يقود المعلم الحوار في المرحلة الأولى من الدرس مطبقًا الاستراتيجيات الفرعية على كل فقرة من فقرات النص، لتوضيح العمليات العقلية التي استخدمها في كل منها على انفراد مع توضيح المقصود بكل نشاط والتأكيد على أنّ هذه الأنشطة يمكن أن تتم في أي ترتيب.
- خلال النمذجة يعرض المعلم على الطلبة كيفية استخدام الاستراتيجيات من خلال التفكير بصوت مرتفع، مع توزيع بطاقات المهمات متضمنة في استراتيجيات فرعية على الطلبة في أثناء جلوسهم في الوضع المعتاد.
- بدء مرحلة التدريبات الموجهة حيث يقوم الطلبة بالقراءة أو الاستماع لفقرة من النص المقروء أو المسموع على أن يتبادلوا بعدها الحوار بشكل جماعي طبقا لبطاقات المهمات التي مع كل منهم.
- مراجعة الاستراتيجيات المهمات المتضمنة بالاستراتيجيات الفرعية التنبؤ والتساؤل والتوضيح والتلخيص، وتقسيم الطلبة إلى مجموعات غير متجانسة في مستويات التحصيل بحيث تضم كل مجموعة ستة طلاب طبقا للاستراتيجيات الفرعية المتضمنة وتعيين قائد لكل مجموعة.
- بدء الحوار التبادلي داخل المجموعات بأن يدير القائد المعلم الحوار ويقوم كل فرد داخل المجموعة بعرض مهمته لباقي أفراد المجموعة ويجيب عن استفساراتهم حول ما قام به.
- توزيع أوراق التقويم التي تضم أسئلة عن الفقرة كاملة وبعد الانتهاء من الحوارات حولها ومراجعة المعلم عمليات التفكير التي تمت؛ للتأكد من مساعدتها على فهم المقروء أو المسموع.
- تكليف فرد واحد من كل مجموعة بالبدء في استعراض الإجابة عن أسئلة التقويم مع توضيح الخطوات التي اتبعتها المجموعة والعمليات العقلية التي استخدمها كل منهم لأداء مهمته المحددة.
- يبدأ المعلم في الانسحاب من الموقف عندما يطمئن إلى قدرة الطلبة إلى توظيف الاستراتيجيات الأربع وأنّ النّص المقروء أو المسموع في طريقه لأن يفهمه الطلبة جيدًا.
- يمثل طالب آخر دور المعلم ويقرأ الآخرون أو يسمعون الفقرة التالية ثم يؤدون الأدوار المذكورة باستخدام الاستراتيجيات الأربعة.

تتمتع استراتيجية التعليم التبادلي بسهولة تطبيقه في الصفوف الدراسية في معظم المواد، وقدرتها في تنمية الحوار والمناقشة، وإمكانية استخدامه في الصفوف الدراسية ذات الأعداد الكبيرة، وزيادة تحصيل الطلبة في كافة المواد الدراسية، كما تتميز بتنمية القدرة على الفهم القرائي خاصة لدى الطلبة ذوي القدرة المنخفضة في الفهم القرائي والمبتدئين في تعلم القراءة، كما تتفق مع وجهة النظر المعاصرة للقراءة باعتبارها نشاط يتفاعل فيه القارئ مع النّص، وتشجع مشاركة الطلبة الخجولين وتزيد ثقة الطالب بنفسه (الهيتي، 2022).
دور المعلم في استراتيجية التدريس التبادلي:
يتمثل دور المعلم في التدريس التبادلي في النقاط التالية كما ذكرها أحمد (2013):
- ميسر ومسهل لعملية التعلم.
- يسهم في بناء الأنشطة لدى المتعلمين.
- يسهم في بناء المعنى لدى المتعلمين.
- المساهمة في تصميم المواقف التعليمية للمتعلمين.
- تقديم التعزيز للمتعلمين في الوقت الذي يحتاجون إليه.
- العمل على نمذجة خطوات الاستراتيجية للمتعلمين.
دور المتعلم في استراتيجية التدريس التبادلي:
بينما أشار أحمد (2013) إلى دور المتعلم في استراتيجية التدريس التبادلي كما يلي:
- المساهمة في تصميم المواقف والأنشطة التعليمية مع المعلم.
- ربط المعرفة السابقة لديهم بالمعرفة الجديدة.
- تلخيص ما قرأوه وتحديد الفقرات المهمة.
- مناقشة المعلم فيما لا يعرفونه.
- القدرة على استنتاج وتطبيق معلومات جديدة عن الموضوع.
- القدرة على التنبؤ بكل ما هو جديد.
عيوب استراتيجية التدريس التبادلي:
بالرغم من أن نتائج الدراسات تشير إلى أن الطلاب يمكنهم تطبيق هذه الطريقة بكفاءة، وكذلك المعلمين يمكنهم تدريب طلابهم على استخدامها مع بعض الجهد، إلا أنهما يواجهان بعض المشكلات والمحددات عند تنفيذ الطريقة الفرعية للتدريس التبادلي كما ذكرها زيتون (2011):
- صعوبة لدى الطلاب في تنفيذ المراحل، وخصوصاً في بداية عهدهم بها.
- وجود الطلاب في بيئات تعليمية صاخبة، نتيجة لامتلاء الفصول الدراسية بالدارسين.
- يحتاج بعض المتعلمين وقتاً نسبياً للتدريب على الأنشطة المصاحبة للتدريس التبادلي.
- قلة مشاركة المتعلمين الخجولين في أنشطة التدريس التبادلي.
- إضاعة الوقت من قبل بعض أفراد المجموعة أثناء الحوار والخوض في جزئية أكثر من غيرها.
- تحتاج لبيئة تعليمية خاصة يتسنى للمتعلمين فيها الحوار بحرية.
قائمة المراجع:
- أبو شعبان، لمياء عبدالحليم (2010). التدريس التبادلي، جامعة المنوفية.
- احمد، صلاح (2009). فاعلية استراتيجية التدريس التبادلي في تنمية بعض مهارات الكتابة الوظيفية لدى طلاب المرحلة الثانوية. مجلة التربية،143، 4، 362-289.
- أحمد، شعبان عبدالعظيم (2013). أستخدام استراتيجية التدريس التبادلي في تدريس علم النفس لتنمية بعض مهارات التفكير التقويمي والميل نحو علم النفس لدى طلاب الثانوية العامة بمرحلتيها، المجلة العلمية بكلية التربية بالوادي الجديد، ع10،.138-105
- العلوي، ضحى محمد (2012). أثر استراتيجية التدريس التبادلي في التحصيل وتنمية مهارات التفكير ما وراء المعرفة لدى طالبات الصف الرابع الادبي لمادة علم الاجتماع. رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة بغداد، العراق.
- الهيتي، محمد (2022). أثر استراتيجية التدريس التبادلي على أداء وتذكر طلبة الرابع الاعدادي في مهارة الاستيعاب القرائي، مجلة الأستاذ للعلوم الانسانية والاجتماعية،61، 2، 505-488.
- راضي، أحمد (2017). أثر استراتيجية التدريس التبادلي في التحصيل وتحسين مهارات التعبير الشفوي لدى طلاب الصف الثاني متوسط في مركز كربلاء، مجلة الباحث، 3، 24، 153-127.
- زيتون، حسن (2003). استراتيجيات التدريس رؤية معاصرة لطرق التعليم والتعلم. عالم الكتب للطباعة والنشر.
- زيتون، حسن (2011). التعليم والتدريس من منظور النظرية البنائية. (ط2). عالم الكتب للنشر.
- عفانة، عزو إسماعيل والجيش، يوسف إبراهيم (2008). التدريس والتعلم بالدماغ ذي الجانبين. آفاق للنشر والتوزيع.
- Doollittle, P. et.al. (2006). Reciprocal- teaching for reading understanding of texts, International Journal of Teaching and Learning of Higher Education, 16(2), 60- 73.
- Faster, E. & Rotoloni, B. (2008). Reciprocal teaching from emerging- perspectives on learning, Teaching and Technology, 18(3), 38-58.
- Kelly, M. (2011). Reciprocal Teaching in a Regard or Primary School Classroom. The university of Auckland.
Lederer, J. (2004). Reciprocal Teaching of Social studies in inclusive Elementary classroom, Journal of Learning Disabilities, 33(1), 91-107.