استراتيجية التعليم المبرمج:
يتطلب التعريف باستراتيجية التعليم المبرمج ( Programing instruction strategy ) ، أو البرنامجي توضيح مفهومه ، وخصائصه ، وأنواعه ، وإيجابيات ، وسلبياته .
أ ) مفهوم التعليم المبرمج :
عندما وجد التربويون سلبيات عديدة في طرائق التدريس التقليدية ، حاولوا من خلال البحث والتجريب الميداني ابتكار طرائق واستراتيجيات حديثة تواكب روح العصر ، وتفيد من تقنياته المتطورة بما يوفر للمتعلم أكبر قدر من الحرية والنشاط والإيجابية في التعامل مع مصادر المعرفة وطرائق الحصول عليها. ونتيجة لتلك المحاولات ظهر التعليم المبرمج على يد سكنر . عالم النفس الأمريكي الشهير. في منتصف الخمسينات من القرن العشرين الميلادي ، بغية الوصول إلى نظام تعليمي فعال في تقديم المعلومات والمفاهيم للمتعلم ، وضمان استيعابه من خلال ما يقوم به من أنشطة إيجابية ، مصحوبة بالتصحيح الفوري للاستجابة ، وتسلسل الخبرات خطوة تلو أخرى (مرعي، والحيلة ، 2002 ، 253) .
وقد لاقت استراتيجية التعليم المبرمج نجاحًا ملحوظًا منذ الوهلة الأولى التي شرح فيها سكنر هذه الطريقة في محاضرته الشهيرة اتلي ألقاها في مؤتمر علم النفس بجامعة هارفر الأمريكية عام 1954م ، وأوضح فيها مفهوم التعليم المبرمج ، وأسسه التي يقوم عليها ، وتجاربه التي أجراها على الفئران والحمام أولاً، ثم على ابنته في تحصيل مادة الرياضيات، وما تبع ذلك من تفوقها في هذه المادة . ومنذ تلك اللحظة بدأ المربون والباحثون إخضاع مناهج عديدة في مختلف المواد الدراسية للبرمجة والتجريب لتحسين طرق التعلم والإفادة مما طرحه سكنر من أسس ومبادئ للتعلم الذاتي من خلال التعليم المبرمج .
وتتعدد تعريفات التعليم المبرمج ، ومنها ما يلي :
– طريقة من طرق التعليم تمكن المتعلم من تعليم نفسه بنفسه ، بواسطة برنامج أعد بأسلوب خاص ، قائم على ترتيب المادة المراد تعلمها ، في صورة سلسلة من الخطوات ، بهدف الانتقال بالمتعلم من المجهول إلى المعلوم ( النعمي ، 1993 ، 167) .
– طريقة تفريد في التعليم ، تقوم على تقسيم المادة الدراسية أو الموضوع إلى مجموعة من الأفكار، أو الخطوات المرتبة ترتيبًا منطقيًا متسلسلاً ، بغية تحقيق أهداف تعلمية محددة وتعرض هذه المادة أو الموضوع على المتعلم في صورة مادة مكتوبة أو مسموعة أو مرئية ، عن طريق كتاب أو آلة أو جهاز معين. وينتقل المتعلم في تعلمه من خطوة إلى أخرى انتقالاً تدريجيًا ، ويعطي في نهاية كل خطوة تغذية راجعة فورية ، لإخباره عن صحة استجابته أو خطئها . وهكذا يستمر في تعلمه حتى ينهي دراسة الموضوع بنجاح .
وهذا يعني أن استراتيجية التعليم المبرمج تسمح للمتعلم بأنه يتقدم في تعلمه وفقًا لمعدله هو ، كما تسمح – في الوقت نفسه – للمعلم أن ينتقل بين طلابه في الفصل ليقدم لهم ما يحتاجون إليه من عون ومساعدة ، من أجل تحقيق الأهداف المنشودة . (الحيلة ، 1999 ، 269) .
ب) خصائص التعليم المبرمج :
في ضوء المفهومين السابقين للتعليم المبرمج ، يمكن تحديد مجموعة من خصائصه ، نجملها في النقاط التالية :
1 – تحليل المهمة أو المادة الدراسية إلى مكوناتها الفرعية ، وبيان أوجه الترابط بينها ، وتنظيمها بحيث يسهل فهمها لدى المتعلم ، فلا ينتقل إلى الخطوة التالية إلا إذا أتقن تعلم الخطوة السابقة .
2 – إتاحة الحرية الكاملة للمتعلم للانتقال في التعليم من خطوة إلى أخرى ، وفقًا لقدراته وسرعته الذاتية في التعلم ، مما يؤدي إلى إثارة دافعية المتعلم وتشويقه للتعلم دون ملل .
3 – تزويد المتعلم بالتغذية الراجعة عقب كل خطوة يخطوها أثناء تعلمه ، عن طريق إخباره بنتيجة تعلمه فورًا ، مما يساعده على تفادي أخطائه ، وكسب الوقت الذي يمكن أن يضيع نتيجة لتعلم أشياء خاطئة .
4 – تشجيع المتعلم على المشاركة الإيجابية والتفاعل المثمر مع الموقف التعليمي المحيط به ، إذ هو مطالب في التعليم المبرمج بأن يجيب عن كل سؤال ، وأن يتأكد من إجابته ، وإلا فلن ينتقل إلى السؤال أو الخطوة التي تلي ذلك .
5 – توفير التقويم الذاتي للمتعلم من خلال الإجابات التي يقدمها البرنامج عن كل سؤال يطرح ، مما يساعد على اكتشاف الأخطاء ، وتشخيص الصعوبات التعليمية التي تواجه المتعلم ، ووصف العلاج المناسب لها ، دون مقارنة أداء متعلم بآخر .
6 – العناية بتحديد الأهداف السلوكية للبرنامج والدقة في صياغتها ، بحيث توضح للمتعلم المطلوب منه بعد الانتهاء من دراسة الموضوع ، وبذلك يستطيع الدارس أن يوجه جهوده وطاقاته كلها لتحقيق الأهداف المعلنة مسبقًا بكل وضوح .
7 – مراعاة مبدأ الإتقان ، إذ يرمي التعليم المبرمج إلى إتقان المتعلم جميع متطلبات التعلم ، ولذلك يحرص البرنامج على إتقان المتعلم كل جزء من أجزاء المادة الدراسية ، وبالتالي ضرورة إتقان البرنامج كاملاً .
ج) أنواع التعليم المبرمج :
تشمل برامج التعليم المبرمج أربعة أنواع رئيس هي : البرامج الماثتيكية التي تستخدم بكثرة في مجال التعليم المهني ، والبرامج الآلية التي ينحصر استعمالها في المجالات الصناعية والأعمال الأخرى بمساعدة الحاسوب . أما النوعان الأخيران وهما : البرامج الخطية ، والبرامج المتشعبة ، فينتشر استخدامها في التربية المدرسية ، وفيما يلي فكرة توضيحية للنوعين الأخيرين (حمدان ، 1999 ، 75 ) :
1) البرامج الخطية Leaner programs :
تنسب البرامج الخطية إلى سكنر ، الذي قام بتطويرها من خلال دراساته وبحوثه التي بدأها على الحيوانات. وفي هذه البرامج يتم تقسيم المادة الدراسية إلى قطع أو خطوات صغيرة في صورة خط أفقي، يطلق عليها الإطارات ، فهي مقسمة بحيث تكون كل خطوة أو جزء لاحق مبنيًا على الجزء السابق ، بهدف تمكن المتعلم من إتقان المادة بصورة كاملة . ووضع المادة الدراسية بهذه الصورة الخطية يجعل المتعلم يدرك أن انتقاله إلى الخطوة التالية متوقف على صحة إجابته عن سؤال الخطوة السابقة؛ أي أنه يزود بتغذية راجعة مباشرة لصحة إجابته قبل انتقاله إلى الخطوة أو الإطار التالي ، ومن ثم فإن الإجابة الصحيحة توافر التعزيز المناسب للاستجابة ، مما يؤدي إلى تأكيد التعلم لدى المتعلم ، فيسعى جاهدًا إلى مواصلة تقدمه في الخطوات التالية للبرنامج في شكل خط أفقي ، متوقعًا أن تبلغ صحة إجابته حوالي (95 % ) .
هذا وتعد البرامج الخطية مناسبة للمجالات أو المواد الدراسية التي تتضمن أو تعالج الحقائق والمفاهيم والمهارات الأساسية ؛ إذ يتم فيها تحديد متطلبات الهدف أولاً ، ثم يتم التدرب عليه ، فتسير العملية التعليمية شيئًا فشيئًا حتى يتكون المفهوم أو المهارة الكلية . وتُقدم المادة الدراسية في هذا النوع من البرامج لجميع المتعلمين الذين يستخدمون التتابع أو الخطوات نفسها في دراسة البرنامج ويجيبون عن الأسئلة نفسها ، وإنما يختلفون في سرعة التعلم فقط .
2) البرامج المتشعبة Branching programs :
يتم في هذا النوع من البرامج الذي قام بتطويره العالم الأمريكي نورمان كرادور ، تقديم فقرة أو فقرتين من المادة الدراسية ، ثم يطرح سؤال له علاقة بالفقرة المقدمة ، تليه عدة إجابات تحتوي على واحدة صحيحة ، وعلى المتعلم اختيار الإجابة الصحيحة من بين البدائل المطروحة ، فإن كانت صحيحة انتقل إلى خطوة أو إطار آخر ، أما إذا كانت الإجابة خاطئة فإن البرنامج يوجه المتعلم إلى إطار فرعي آخر يُسمى بالإطار العلاجي ليصحح الخطأ . وهكذا يتدرج المتعلم في دراسة البرنامج وفق الترتيب المتشعب لأجزائه حتى ينتهي منه ويتقن تعلمه .
هذا وتشبه البرامج المتشعبةُ البرامج الخطية ، من حيث إنها تراعي مبدأ التعزيز الفوري ، كما أن كلا البرنامجين يشددان على الإجابة الصحيحة ، غير أنها في البرنامج الخطي تكون مفتوحة ، بينما تكون في البرنامج المتشعب مختارة من عدة بدائل . وتتميز البرامج الخطية عن المتشعبة في كونها أيسر تنظيمًا، وأسهل بناء ، وأكثر تغطية للمادة الدراسية .

د) إيجابيات استراتيجية التعليم المبرمج :
تتعدد إيجابيات التعليم المبرمج ، ومن أهمها ماي لي : ( الحيلة ، 1999 ، 305 – 307) :
1 – الاهتمام الشديد بتحديد الأهداف والمعايير السلوكية لمستويات الأداء التي يحاول المتعلم الوصول إليها ، مما يؤدي إلى دقة اختيار المواقف التعليمية التي تحقق تلك الأهداف .
2 – إشعار المتعلمين بالنجاح ، وحثهم على التقدم بصورة مستمرة ؛ لأن كل مهمة تعليمية مقسمة على خطوات صغيرة مترابطة ومتسلسلة ، مما يسهم في تقليل فرص الخطأ وزيادة النجاح .
3 – إثارة دافعية المتعلمين وتشويقهم للتعلم ، من خلال إتاحة الحرية لهم في اختيار المواد التعليمية التي ينظمها المعلم بما يناسب قدراتهم ويلائم اهتماماتهم وسرعات تعلمهم .
4 – إتاحة الفرصة الكاملة لكل متعلم في الوصول إلى مستوى الإتقان المطلوب ، مهما كانت قدراته وإمكاناته .
5 – توفير التعزيز الفوري للمتعلم من خلال التغذية الراجعة ، مما يؤدي إلى تأكيد الاستجابة الصحيحة وتحقيق التعلم المنشود .
6 – تنمية قيمة الاعتماد على الذات ؛ إذ إن المتعلم مطالب بأن يكتشف بنفسه الإجابة الصحيحة أو الفكرة المناسبة التي يتم بها المعنى .
7 – استخدام التعليم المبرمج بفاعلية في التعليم العلاجي للطلاب ذوي التحصيل المتدني ، أو الذين فاتتهم أجزاء من المقرر الدراسي بسبب الغياب .
هـ ) سلبيات استراتيجية التعليم المبرمج :
أثبتت التجارب والممارسات التربوية، أن التعليم المبرمج لا يخلو من السلبيات وجوانب القصور. ومن أهم تلك السلبيات ما يلي :
1 – لا يهتم التعليم المبرمج بالأهداف الوجدانية والاجتماعية ، ولا يفسح المجال لإبداء الأحاسيس والعواطف ، فقط يختص بالأهداف المعرفية والمهارية المتضمنة في محتوى المادة الدراسية .
2 – يفتت المعارف والمعلومات بصورة قد تؤدي بالمتعلم إلى عدم الربط بين أجزاء الموضوع الواحد ، والافتقار إلى النظرة الكلية ، الأمر الذي يُعرقل عملية الإبداع لدى المتعلم .
3 – يحدث الضجر وعدم التحدي لدى المتعلمين بسبب طابع الرتابة في الكتابة المبرمج ، وغياب العلاقات الإنسانية ، وطول البرنامج وكثرة خطواته الصغيرة المتسلسلة التي تُشَعرُ بالتكرار وإضاعة الوقت .
4 – يتطلب إعداد البرامج الجديدة مبرمجين ذوي خبرات واسعة وكفاءة عالية ، مما يصعب توافرهم في جميع مجالات الدراسة .
5 – ارتفاع تكاليف أجهزة التعليم المبرمج ومواده ، لدرجة أن كثيرًا من المدارس لا تستطيع توفيرها.
6 – يركز التعليم المبرمج على الحفظ ، ويهمل التفكير ، ويقدم خبرة واحدة لجميع المتعلمين ، دون تنويع .
7 – يقلل عنصر المنافسة بين المتعلمين ؛ لأن كل متعلم يقوم بتعليم نفسه بنفسه دون أن يشاركه أحد أثناء التعلم
المصادر :
– حمدان ، محمد زياد (1999) طرق منهجية للتدريس المعاصر، دار التربية الحديثة ، عمان، الأردن.
– الحيلة ، محمد محمود (1999) التصميم التعليمي .. نظرية وممارسة ، دار المسيرة ، عمان ، الأردن.
-مرعي ، توفيق والحيلة ، محمد (2002) تفريد التعليم ، ط2 ، دار الفكر ، عمان الأردن.
– النعمي ، عبدالله الأمين (1993) طرق التدريس العامة ، الدار الجماهيرية ، طرابلس .