تُعد استراتيجية النمذجة (Modeling) من الاستراتيجيات الحديثة في التدريس النشط. لربطها المحتوى المعرفى بمواقف الحياة الفعلية، وتقريبها المعنى إلى ذهن المتعلم، مما يجعله اكثر فاعلية ومشاركة في عمليتي التعليم والتعلم، فتتحسن مهارات فرضه للفروض واستقصائه عنها ، وتتيح استراتيجية العلم بالنمذجة فرصا أكبر لممارسة المتعلم مواقف غير روتينية، وغيرها من الأنشطة النقاشية التي تسهم في تحسين فهمه ، واكتشاف المعرفة واستثمارها في حل المشكلات، وفهم الظواهر وتفسيرها، فضلا عن تهيئتها له ليكون أكثر اعتمادا على ذاته في تحمل مسئولية تعلمه.
ويمكن التعرف على استراتيجية النمذجة من خلال توضيح مفهومها، وأنواعها، وخطواتها، وأدوار المعلم والمتعلم في التعلم بالنمذجة مقابل التعلم التقليدي، وصفات المعلم القادر على التعليم بالنمذجة، وإيجابيات استخدام استراتيجية النمذجة، وسلبيات استخدامها.
مفهوم استراتيجية النمذجة :
تتعدد تعريفات النمذجة، ومن أبرز تلك التعريفات ما يلي:
– عملية تبسيط وتقليد حدث، أو ظاهرة، نود فهمها بطريقة أفضل Beattie, 1999,11)) .
– عملية تكوين تصور عقلي للعلاقات التي تربط بين أشياء، أو ظواهر، أو أحداث، باستخدام تمثيلات، أو أشكال للمحاكاة، تسهل شرحها وتفسيرها والتنبؤ بها”. (Holliday,2001,57) .
– تمثيلات لتوضيح، ووصف سلوك الظواهر المعقدة أو الأحداث، لتساعد على التنبؤ بكيفية حدوثها ، وفهمها بصورة أفضل ، لأن النمذجة تحاكي الواقع وتؤدي إلى تطور المعرفة العلمية .
( (Justi & Giblert, 2002, 369
– ” نظام من الأفكار يربط بين العلم والأنشطة العملية، لتوضيح وتفسير كيفية عمل بعض الظواهر والأحداث والعمليات، بما يساعد على التنبؤ بإمكانية حدوثها، واستخدامها في مواقف أخرى جديدة”. (قرني، ۲۰۱۳ ، ۲۹۰) .
ويشير مفهوم النمذجة إلى ذلك النشاط الذي يحدث بواسطته وصف أو شرح ظاهرة قد يصعب استخدام الخبرة المباشرة في تعليمها للطلاب بشكل فردي، أو جماعي، وذلك لمحاولة فهم العالم من حولهم.

أنواع النمذجة :
توجد ثلاثة أنواع للنمذجة هي: النمذجة المادية، والنمذجة المفاهيمية، والنمذجة الرياضية. وفيما يلي توضيح لكل منها:
النمذجة المادية physical Modeling
وتستخدم فيها وسائل أو مجسمات أو معينات مادية أو بصرية، أو رسوم لشرح ظاهرة أو حدث أو عملية ووصفها ووصفها وتمثيلها ومحاكاتها ، كما يحدث عن استخدام المجسمات في تمثيل البيت الشمسي .
ومن الشروط التي يجب توافرها في النمذجة المادية ، ما يلي :
أ – وضوح الهدف : أن يكون النموذج واضحًا ومرتبطًا بهدف محدد .
ب – الجاذبية : أن يكون النموذج جذابًا ومثيرًا لدافعية الطلاب للتعلم .
ج – التنوع : أن تكون مصادر النمذجة متنوعة لجذب انتباه الطلاب .
د – الوضوح : أن يكون النموذج واضحًا للطلاب وحجمه مناسبًا .
هـ – البساطة : أن يكون النموذج بسيطًا وخاليًا من التعقيد .

2 – النمذجة المفاهيمية Conceptual Modeling :
يقوم هذا النوع من النمذجة على إعطاء معنى مألوف ، أو تشبيه شيء مألوف ، أو استعارة معنى يقرب الفهم ، كما يحدث عند تشبيه التيار الكهربي بسريان الماء ، أو الخلايا الشمسية ببلاط الحجرة ، أو التفاعلات الطاردة للحرارة والماصة لها بيد الإنسان في فصل الصيف والشتاء . ومهمة هذا النوع تبسيط فهم الظاهرة والعلاقات بين مكوناتها .
ويوجد شرطان يجب مراعاتهما عند استخدام النمذجة المفاهيمية ، هما :
أ – اختيار نماذج مفاهيمية مألوفة لأكبر عدد من الطلاب .
ب – عمل علاقات أو مقارنات بين النموذج المفاهيمي والمفهوم المراد تعلمه .

3 – النمذجة الرياضية : Mathematical Modeling
هي عملية تمثيل مشكلات العلم الحقيقي رياضيًا ، ومحاولة إيجاد حلول لتلك المشكلات ؛ أي تعمل النمذجة الرياضية على ربط التعلم بالحياة الفعلية . كما تعرف بأنها التعبير عن موقف أو ظاهرة أو حدث في صورة معادلة رياضية مثل قوانين الغازات . وتقوم على إيجاد علاقة رياضية لوصف وشرح سلوك ظاهرة أو عملية ، أو تجريد الظواهر الفيزيائية ، والبيولوجية برموز أو معادلات أو دوال أو غيرها من الصيغ الرياضية .
ومن الصفات اللازم توافرها في النمذجة الرياضية ما يلي :
أ – التبسيط دون إخلال .
ب – مناسبة تكاليف تنفيذها في حل المشكلة أو وصف الظاهرة .
ج – قلة المخاطر عند استخدامها .
د – تحقيق أقصى استفادة ممكنة ( إمكاناتها – فترة استخدامها ) .
هـ – قابليتها للتعديل والتطوير .
ج) خطوات تنفيذ استراتيجية النمذجة :
تمر عملية النمذجة بثلاث خطوات أساسية ، هي :
أ ) تكوين النمذجة Model Formation :

وفي هذه المرحلة يقوم الطالب بتكوين نموذج عقلي لموضوع التعلم من خلال ما يلي :
1 – تحديد الموضوع الذي سيقوم الطالب بدراسته أو المشكلة التي يريد حلها .
2 – تحديد الأهداف التي يسعى الطالب لتحقيقها من دراسة الموضوع ، وتمثل هذه الأهداف تحليلاً لجوانب موضوع التعلم المركب إلى عناصره الفرعية البسيطة .
3 – اختيار المصادر وطرح تساؤلات حول كيفية تحقيق الأهداف ، أو دراسة عناصر الموضوع من خلال عملية عصف ذهني .
4 – إنتاج النموذج العقلي (تكوين خريطة للمحتوى المعرفي ) الضروري للإجابة عن التساؤلات التي طرحها الطالب ، والتي تتكامل أجزاؤها لتغطي موضوع التعلم الأساس .
ب – تمثيل النمذجة Model Representation :
فيه هذه المرحلة يقوم الطالب بعمل محاكاة أو تخطيط أو تجسيد مادي للنموذج العقلي الذي قام بتحديد أبعاده ، لوصف عناصره وشرح العلاقات بين مكوناته ، لتسهيل فهم المحتوى المعرفي للنموذج .
جـ – تطبيق النموذج Model Application :
بعد أن يتوصل الطالب إلى أنسب تمثيل لنموذجه ، يقوم باستخدام النموذج في الإجابة عن التساؤلات حول موضوع النموذج ، أو تفسير الظواهر ، واكتشاف العلاقات ، والتوصل إلى استخدامات وتطبيقات عملية للنموذج ، والتنبؤ بتغيرات أو آثار تترتب على النموذج .
د) أدوار المعلم والمتعلم في التعلم بالنمذجة مقابل التعلم التقليدي :
يمكن توضيح أدوار المعلم والطالب في كل من التعلم بالنمذجة والتعلم التقليدي في الجدول(3) (عبدالمعطي ، 2011 ، 20) :
جدول (1) أدوار المعلم والطالب في التعلم بالنمذجة مقابل التعلم التقليدي
التعلم بالنمذجة Modeling Learning | التعلم بالطريقة التقليدية For imitative learning |
أولاً : أدوار المعلم | |
1 – أدوار تسهيلية . | – أدوار مباشرة |
2 – ميسر . | – مدير . |
3 – يتابع الطلاب | – شارح . |
4 – متعدد المصادر Resource | – مهامه محددة Task setter |
5 – ينظر إلى الطلاب كمستثمرين | – ينظر إلى الطلاب كأداة تُحرك |
ثانيًا : أدوار المتعلم : | |
1 – مدير | – مستجيب |
2 – شارح ومتفاعل | – مستقبل |
صفات المعلم القادر على استخدام استراتيجية النمذجة :
يجب أن تتوافر في المعلم مجموعة من الصفات ليكون قادرًا على التدريس باستخدام استراتيجية النمذجة، منها :
1) قادر على التعليم بالنماذج ويعرف كيفية استخدامها وكيفية بنائها .
2) لدية معرفة ومهارات تمكنه من إنتاج النماذج بنجاح .
3 ) قادر على تنظيم أفكاره وبناء العلاقات بين الأشياء .
4 ) قادر على اختيار المصادر المناسبة للنموذج .
5 ) يتميز بالتعاون ، والمشاركة مع زملائه ، وطلابه في بناء النماذج .
6 ) قادر على تجميع البيانات بصورة منطقية ، ومتسلسلة .
7 ) ملاحظ جيد ، ولديه تصميم وإصرار .
8 ) لديه القدرة على التفكير المنطقي .
إيجابيات استخدام استراتيجية التعلم بالنمذجة
تتعدد إيجابيات التعلم باستخدام استراتيجية النمذجة ، ومن أهم هذه الإيجابيات ما يلي :
1 – تحقيق فهم أعمق للظواهر المعقدة والأحداث ، وذلك من خلال وصف الظاهرة وتمثيلها أمام الطلاب مباشرة ، وإعطائهم صور حية .
2 – زيادة خبرة التعلم من خلال الأنشطة التي يحتوي عليها النموذج .
3 – إتاحة المزيد من فرص التفكير العلمي في الظواهر ، مما يعزز نمو مهارات التفكير لدى المتعلمين.
4 – تنمي عمليات الاستدلال أثناء تمثيل النموذج وتطبيقه .
5 – تساعد المتعلمين على التحليل ، والتفكير الاستقرائي ، والقدرة على الصياغة ، والشرح والتقويم.
6 – تنمى لدى المتعلمين القدرة على تبادل العلاقات ، والتعبير عن الآراء ؛ لفهم الظاهرة .
7 – تزيد من قدرة المتعلم على استيعاب المفاهيم وتنمية مهارات ما وراء المعرفة .
8 – تنمي قدرة المتعلم على التخيل .
9 – تجعل المتعلم محورًا للعملية التعليمية ، وهذا يؤدي إلى جعل التعلم ذا معنى وفائدة .
10 – تسمح للمتعلمين بممارسة مواقف غير الروتينية ، مما يزيد من تحملهم مسئولية تعلمهم .
سلبيات استخدام استراتيجية التعلم بالنمذجة :
تشمل سلبيات استخدام التعلم بالنمذجة ما يلي :
1) صعوبة بناء النموذج الحيوي ( المادي ) للإشكاليات الهندسة أكثر من كونه مشكلة علمية .
2) تكوين تصورات مفاهيمية غير صحيحة يصعب تصويبها أو استبدالها نتيجة استخدام نماذج غير ملائمة ، فالنمذجة سلاح ذو حدين :
أ) حد ضار : إذا أصبح استخدامها عملية تقليدية شكلية فقط ، وذلك بسبب حدوث الكثير من الصعوبات والمشكلات لدى الطلاب ؛ منها التصور الخطأ ، وشعورهم بالملل والرتابة .
ب ) حد نافع : عندما يحسن المعلم استخدامها ، ويترك الطلاب يؤدون أدوارهم ، فيزيد من فهم الطلاب للمعلومات ، وبقائها في أذهانهم فترة زمنية طويلة ، كما يمكنهم من تطبيق هذه المعلومات في مواقف حياتية كثيرة ، فينمي الثقة في أنفسهم ، ويزيد من قدراتهم على التنبؤ بما يمكن أن يحدث ، ولتحقيق ذلك يجب أن يكون الطلاب نشطين ، ومشاركين ، وفعالين في العملية التعليمية .
المراجع:
– حمدان ، محمد زياد (1999) طرق منهجية للتدريس المعاصر، دار التربية الحديثة ، عمان، الأردن.
– الحيلة ، محمد محمود (1999) التصميم التعليمي .. نظرية وممارسة ، دار المسيرة ، عمان ، الأردن.
-مرعي ، توفيق والحيلة ، محمد (2002) تفريد التعليم ، ط2 ، دار الفكر ، عمان الأردن.
– النعمي ، عبدالله الأمين (1993) طرق التدريس العامة ، الدار الجماهيرية ، طرابلس .